آخر الرسائل

Post Top Ad

Your Ad Spot

الخميس، 31 مارس 2022

من بريد الجمعه .. غليان اللهب


أكتب إليك بعد أن تداخلت أمامي الصور والأشياء, واختلطت مفاهيم الخير والشر, فأنا رجل في الخمسين من عمري نشأت في أسرة مستقرة وبدأت حياتي العملية فور تخرجي, ومارست عملا حرا أعطيته كل جهدي ووقتي.. وشعرت بأن الحياة تبتسم لي وأنه قد آن لي أن أتزوج.. وأحظي بحياة عائلية وعاطفية مستقرة, فاخترت شريكة حياتي بنفسي وكان الجمال الظاهر هو معيار الاختيار الأول, ولم أدرك إلا بعد فوات الأوان ان الجمال المستتر داخل الإنسان والذي يتمثل في جمال طباعه هو الأهم كثيرا من الجمال البادي في وجهه مهما يبلغ قدره فلم يمض علي زواجي سوي أسابيع قليلة حتي ان اكتشفت ان للحياة وجوها أخري كثيرة, وان السعادة والاستقرار في الحياة الخاصة شيئان بعيدان عن المنال مع زوجة لا تعرف سوي الانفعال الدائم والصراخ المستمر والصوت العالي المستفز والألفاظ الجارحة التي تنطلق من فمها علي غير هدي وأحيانا بغير وعي, والأسوأ من كل ذلك هو أن تقف بجانبها أم تساندها وتري فيما تفعل شيئا طبيعيا ولا يستحق حتي مجرد التعليق عليه!

وحين اكتشفت هذه الطبيعة فيها حاولت في البداية أن أكون هادئا وألا أواجه الانفعال بالانفعال, وأن أمتص ثوراتها بصبر وامتثال لأن قرار الزواج منها كان قراري الشخصي واختياري الحر في وجه بعض التحفظات التي أبدتها أسري عليها قبل الارتباط. فمضت الشهور الأولي وأنا أحاول إقناع نفسي بأن العشرة الطيبة من جانبي وأسلوب تعاملي معها سوف يغيران من حدة طبعها ويحببا إليها الحياة الهادئة المستقرة, خاصة أننا قد رزقنا بأول أطفالنا, لكنه للأسف زادت حدة طبعها أكثر مما كانت عليه حتي أصبح الجيران يعرفون عن حياتنا كل شيء من صراخها المستمر وصوتها العالي, ولم أستطع أن احتفظ بهدوئي أكثر من ذلك فانفعلت معها حين انفعلت علي ذات يوم, وصرخت في وجهها فاشتد صراخها فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أهوي بيدي علي وجهها لأول مرة ثم ألقي عليها يمين الطلاق.

ومضت دقائق من الصمت الثقيل شعرت خلالها بأن الزمن قد توقف وبأن زوجتي قد أصيبت بالذهول التام, فانسحبت من أمامها وغادرت البيت لا أعرف إلي أين سوف تأخذني قدماي.. وسرت في شوارع المدينة ساعات طويلة أفكر فيما جري وفيما صنعت بحياتي.. واتصلت بصديق لي لأشركه معي في أمري, فإذا به يبلغني بأن زوجتي تبحث عني في كل مكان ووجدتني أرجع إلي البيت مرة أخري, فما أن دخلته حتي وجدت زوجتي ترتمي علي صدري ودموعها تهطل في صمت وتطلب مني ألا أتركها, وتؤكد لي أنها لا تستطيع الحياة بدوني.. ووجدتني أضمها إلي صدري وترجع الحياة بيننا مرة أخري.

وآمنت بأن هذه التجربة ستكون درسا قاسيا لنا معا يستفيد به كل منا في مستقبل أيامنا, فلم تمض سوي أيام قليلة ثم عاد كل شيء إلي طبيعته الأولي, وبدأ الانفعال والصراخ المستمر والصوت العالي المستفز والكلمات الجارحة بالاضافة إلي تشجيع أهلها وتحريضهم لزوجتي علي.

ولم تعد مشاكلنا مقصورة علي مايجري داخل بيتنا ويسمعه الجيران رغما عنهم من صوتها العالي, وإنما امتدت إلي بيوت الأهل والأصدقاء.. بل وفوجئت بزوجتي ذات يوم تأتي إلي في مقر عملي ويعلو صوتها المستفز وتتناثر ألفاظها الجارحة فلم أتمالك نفسي إزاء مايجري وكان الطلاق الثاني بيننا فإذا بزوجتي تنهار انهيارا كاملا كما حدث في التجربة الأولي, وتنهمر الدموع من عينيها ليلا ونهارا ويتملكها حزن قاتل ويأس مدمر, ولم أكن أنا بأفضل منها حالا وأنا أري حياتي العائلية تنهار أمام عيني علي هذا النحو.. وأري نظرات الحزن في عينيها وفي عيون أطفالي, فلم أتمالك نفسي أكثر من ذلك ووجدتني أضمهم جميعا إلي صدري متجاوزا عن كل ماجري, وترجع الحياة بيني وبين زوجتي من جديد.

واتخذت قرارا بيني وبين نفسي بألا ينطق لساني مرة أخري بتلك الكلمة المدمرة ـ كلمة الطلاق ـ مهما حدث وأملت أن يكون ماجري قد أفاد كلينا بالرغم من مرارته, فلم تمض فترة طويلة إلا ورجع الصراخ المستمر والصوت العالي المستفز من جديد.. ورحت في كل مرة تحاول فيها زوجتي تصعيد الأمور بيني وبينها إلي حافة الخطر انبهها إلي الهاوية التي توشك علي السقوط فيها, وإلي أن الانفصال الثالث إذا وقع فسوف يفقدنا حياتنا معا إلي غير رجعة, فكانت تستجيب للتحذير وتتوقف ونحن علي حافة الهاوية في بعض الأحيان, وتضرب عرض الحائط بكلامي وتحذيراتي في أحيان أخري.

وكان أكثر مايثير حنقي وضيقي هو أنني كلما ازددت إصرارا علي ألا نصل معا إلي هذه الهاوية السحيقة.. ازدادت هي وأهلها تماديا في الضغط علي أعصابي وإثارة العديد من المشاكل المادية, بالرغم من محاولاتي المستمرة لإرضائها بشتي الحيل والوسائل الي حد أن كتبت باسمها الشقة التي نقيم بها لكي تشعر بالأمان والاستقرار النفسي.

إلي أن جاءت اللحظة التي خشيتها طويلا وفي موجة عاصفة من الانفعال القاتل وجدتني انطلق بالكلمة المدمرة لثالث مرة.. فما أن نطقت بها حتي شعرت بالأرض تميد تحت أقدامي.. وبالأشياء تهتز أمام ناظري ثم تشحب وتختفي تماما.. وخيل إلي أنني استسلم للسبات العميق رغما عني, ثم أفقت بعد فترة لا أعلمها فوجدتني بأحد المستشفيات مصابا بذبحة صدرية حادة, وعرفت من الأطباء ان الهجمة كانت شرسة الي حد أن كادت تودي بحياتي..

وعرفت منذ ذلك الحين ولأول مرة في حياتي طريق المستشفيات وغرف الإنعاش.. وخضعت للعلاج لفترة ليست قصيرة.. وتابعت حالتي الصحية مع الأطباء وعرفت جيدا ان حياتي الزوجية قد انتهت عند هذا الحد, لكن زوجتي بعد فترة من الحزن الشديد التي بلغت بها حد الذهول, بدأت تتصل بي من جديد وتحاول إقناعي بضرورة أن نذهب معا إلي كبار رجال الدين لنستفتيهم في أمرنا, لعلهم يجدون لنا مخرجا, وتحت ضغط إلحاحها وضغط أبنائي وافقت علي أن أطرق هذا الباب, فاختلفت الآراء حول صحة الطلاق الأخير, واصلنا السعي الي رجال الدين حتي وصلنا إلي أكبر شخصية دينية في البلاد فكان جوابه الرجل الفاضل بالحرف الواحد هو أنه وبعد أن سمع من كلينا لا يستطيع أن يفرق بيننا وأن الطلاق الذي يتم في حالة خروج المرء عن وعيه تماما لا يقع.

فاستأنفنا حياتنا من جديد, ولكن بعد أن أصابها شرخ غائر دفع كلا منا لأن يشعر بأنه يعيش في صمت بعيدا عن الآخر ويتجنبه حتي لا تلتقي نظراتنا فتفضح مابداخلنا من حزن علي ماآلت إليه حياتنا.

وفي هذه الفترة منذ مايقرب من عامين تعرفت علي فتاة شابة جميلة تتفجر نشاطا وحيوية وتمارس الحياة ببساطة وهدوء وقدرة علي العطاء المتدفق للغير, فوجدتني مشدودا إليها وأبحث فيها عن كل ماأفتقده في حياتي, ووجدتني أتلمس في الحديث إليها متنفسا لكل مااختزنه في داخلي من ألم وحزن علي حياة ضاعت في صراع ليس له معني وحرب لا مبرر لها.

ولست بذلك أحاول التماس العذر أو المبرر لنفسي في علاقة عابرة وإنما هو تعبير واع عن حقيقة أشعر بها, ولأنه لدي أي استعداد للانغماس في علاقة آثمة مع أحد لمجرد معاناتي من حياة زوجية فاشلة, فإني أريد أن استنير برأيك في الأمر بكل وضوح.. هل أتقدم للزواج من تلك الفتاة.. فلربما كانت عوضا لي عن كل مافات من عمري, أم هل أعتبر حياتي قدرا لا فرار منه وأواصل الدوران في نفس الدائرة إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا؟!

 

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

قدر كبير من أسباب الشقاء الزوجي يمكن تلخيصه في عبارة واحدة: هي المزاج الانفعالي الحاد الذي يفقد صاحبه الاتزان النفسي.. ويخرج به عن جادة الاعتدال والإنصاف لنفسه وللآخرين.

ومن أسف أن من يسيطر عليهم هذا المزاج الانفعالي الحاد يبدون في بعض الأحيان وكأنما قد تملكتهم الشياطين فحلت في أجسادهم وألسنتهم.. وحولتهم إلي أشخاص عدوانيين ينسون كل شيء في لحظة.. ويعجزون عن كبح جماح اندفاعهم.. ويتخطون في علاقتهم بالآخرين الخطوط الحمراء التي لا يأمن من يتخطاها علي نفسه وكرامته عند التعامل مع الغير, ولهذا فلقد قيل بحق إن ضبط النفس وكبح القلب من أكمل وأتم مايبلغه الإنسان في علاقته بالآخرين.., وكان من أكمل ماأدب به رب العزة سبحانه وتعالي نبيه المصطفي صلوات الله وسلامه عليه.. كظم الغيظ ورد النفس عن الاستجابة لنوازع الاستثارة والغضب, والقدرة علي إنصاف الآخرين من نفسه.. ولقد روي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي الكريم صلي الله عليه وسلم اقترض من اعرابي بعيرا فلما حل وقت الأداء جاء الرجل يطلب دينه فأغلظ علي الرسول في الطلب وغضب لذلك الصحابة الأكرمون, وهموا بإيذائه فإذا بالهادي البشير صلوات الله وسلامه يردهم عن ذلك ويقول لهم: دعوه فإن لصاحب الحق مقالا, ثم يأمرهم بأن يؤدوا إليه دينه ويخص الفاروق عمر رضوان الله عليه وقد كان شديد الغيرة علي نبيه, بعتابه فيقول له مامعناه: كان جديرا بك ياعمر أن تأمره بحسن الطلب وأن تأمرني بحسن الأداء!

وكارثة العلاقات الإنسانية في مجملها.. والعلاقات الزوجية علي نحو خاص هي في اعتقاد كل طرف من طرفي الجدال أنه يحتكر الحق وحده وأن مايراه هو وحده الحق الذي لا يأتيه الباطل من يمينه أو شماله, ومايراه الطرف الآخر هو الباطل الذي لا يأتيه الحق من خلفه أو من أمامه..

وكما قال العراف الأعمي لملك طيبة كريون في مسرحية أنتيجون للشاعر الإغريقي سوفو كليس: مصائب المدينة سببها غضبك الأعمي! يستطيع أزواج وزوجات كثيرون ان يقول كل منهم لشريك الحياة إن مصائب المدينة سببها غضبك الأعمي.. وضعف قدرتك علي ضبط النفس وعجزك عن التحكم فيما يصدر عنك من أفعال وكلمات وإشارات جارحة وحمقاء.

ومن سمات من يستسلمون لحدة طباعهم ويعلو صوتهم بالقذائف الطائشة في مواجهة الآخرين ألا يفيقوا من غيهم بتذكيرهم بما سوف يترتب علي اندفاعهم من كوارث تصيبهم هم في مقتل قبل أن تصيب الآخرين, فيتمادون في الاستسلام لمزاجهم الانفعالي الي أن تهوي المطارق فوق رؤوسهم وتقع الواقعة.. وتضيق بهم صدور من طال صبرهم عليهم واحتمالهم لهم فيهدمون المعبد علي رؤوس الجميع.. وهنا فقط يستبين الحمقي الرشد الذي طالما غاب عنهم ويندمون, حيث لا ينفع الندم, ويتعقلون بعد فوات الأوان, فيستفيدون بدرس التجربة القاسية في حياتهم كما يفعل البعض بالفعل أو لا يستفيدون كما غيرهم إلا لفترة محدودة يستردون خلالها مافقدوه بالحمق والاندفاع.. فتضعف مراقبتهم من جديد لحدة طبعهم, وتضعف سيطرتهم علي النفس وتتكرر المأساة مرة أخري وربما مرات, كما حدث في قصتك.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الشأن هو: لماذا لا يعترف البعض منا بأن حدة المزاج والعصبية الشديدة التي تتجاوز كل الحدود مرض يمكن طلب الشفاء منه أو علي الأقل التخفيف من بعض آثاره المدمرة بالعلاج الطبي لدي طبيب المخ والأعصاب أو العلاج النفسي لدي الطبيب المتخصص ؟ ولماذا ينفر البعض من فكرة العلاج الطبي المنتظم لهذا المزاج الناري كما يسميه بعض المتخصصين ؟

إن هناك تعبيرا فريدا في اللغة الانجليزية يعبر عن هذا المزاج بوصف فريد هو غليان اللهب في المدفأة إشارة إلي طقطقة قطع الخشب الصغيرة فيها حين يشتد أوار النار فتتطاير ذات اليمين وذات الشمال مهددة بالخطر من تصيبه.

ومن أسف ان هذا المزاج الناري الانفجاري يرتبط دائما لدي من يعانون منه بقصور النظر والعجز عن تقدير العواقب تقديرها السليم.. وضعف القدرة علي تفادي المهالك التي يسوقون أنفسهم سوقا إليها, لهذا فهم يتمادون غالبا في دفع الأمور إلي حافة الخطر ولا يعرفون أبدا متي يحسن بهم أن يتراجعوا أو يتوقفوا قبل أن تقودهم خطوتهم التالية الي الهاوية السحيقة. وكما يخطيء بعض الأزواج في الاعتماد علي تمسك زوجاتهم بالاستقرار العائلي طلبا لمصلحة الأبناء الصغار, فيتمادون في الإساءة أحيانا في عدم التحسب لردود فعلهن ويستبعدون من حساباتهم تماما أي تصرف مقابل يؤدي الي انهيار الحياة الزوجية وتمزق الأبناء, تفعل بعض الزوجات نفس الشيء ويتمادين في الاستسلام للمزاج الانفعالي.. والميول الاكتئابية والتهلل لافتعال اسباب النكد الزوجي اعتمادا علي نفس هذا الحرص علي الروابط العائلية وسعادة الأبناء.

ويغيب عن الفريقين خلال كل ذلك ان تقطع شعيرات الحبل المتين الذي يربط بين الأزواج وزوجاتهم وأسرهم وأبنائهم واحدة بعد الأخري.. علي مر السنين وتراكم الإساءات والمرارات لابد أن يؤدي في النهاية الي قطع هذا الحبل نفسه مهما يكن غليظا متينا في البداية كما يغيب عن حسابات البعض أيضا ان عشرة السنين وتشابك الروابط كما يكون في بعض الأحيان إضافة الي قدرة هذا الحبل المشدود علي مقاومة الضغط الذي يهدده بالتمزق فإنه قد يكون علي الجانب الآخر وربما بنفس القدر عاملا مساعدا علي تآكله.. لا عجب في ذلك لأن تراكم المرارات قد يدفع أحد الطرفين إلي التضحية بكل شيء طلبا للنجاة من الجحيم, ولأن صيد السنين يعني من ناحية أخري توالي الأعوام وتغير الأحوال وزيادة القدرة النفسية والمادية علي التغيير الذي كان يحجم عنه البعض حرصا علي الأبناء.. وعجزا عن تحمل تكاليفه.. فالأبناء يكبرون ويتخطون المراحل الحرجة التي يكونون خلالها في أشد الحاجة إلي الأسرة المستقرة ولو تجرع أطرافها كل المرارة.. والزوج الذي يبدأ حياته العائلية في الغالب شابا محدود الإمكانات المادية.. قد أصبح قادرا علي تحمل تبعات تغيير حياته التي لم يسعد بها وبد حياة أخري ونفس الحال بالنسبة لبعض الزوجات من الناحية النفسية والمادية.. فلماذا تتجاهل الأطراف المعنية كل هذه المتغيرات خلال استسلامهم لحمقهم وعدوانيتهم وحدة طباعهم واطمئنانهم الغافل الي أن الشمس سوف تطلع كل يوم من الشرق مهما فعلوا أو أساءوا ؟ وكيف يساعد بعض الأهل زوجة علي تحدي زوجها وافتعال المشاكل معه بدلا من أن يهدوا إليها عيوب نفسها كما قال العادل عمر بن الخطاب: رحم الله امرأ أهدي إلي عيوب نفسي, وكيف يمكن تقبل فكرة أن تتحول الحياة الزوجية من علاقة ود وتراحم حتي ولو خلت من العاطفة الحارة في بعض الأحيان, إلي علاقة صراع لا معني له وحرب لا تبرير لها ؟

وأخيرا ياصديقي.. كيف استدرجتك زوجتك وأنت الرشيد العاقل إلي الاستجابة إلي انفعاليتها الجامحة فأوقعت الطلاق عليها مرتين.. ونطقت بكلمته المدمرة بغير وعي في المرة الثالثة ؟

لقد أخطأت في شيء جوهري هو اعتمادك في اختيارك علي شريكة الحياة علي معيار واحد هو الجمال الظاهر, وعزمت بالثمن الغالي أنه لا قيمة له إلي جانب جمال النفس والطبع والخلق وحسن العشرة وروح الفهم والتسامح وإنصاف العشير والحرص عليه.. حتي لقد كدت تهلك في أحد انفجاراتكما العصيبة حين داهمتك الذبحة الصدرية!

والآن فلقد وقع المحظور وشعرت بالضعف تجاه فتاة شابة جميلة تتفجر نشاطا وحيوية وتعيش حياتها ببساطة وقدرة علي العطاء المتدفق كما تصفها. وتسألني: هل تقدم علي الزواج منها أم تواصل الدوران في حلقة حياتك المفرغة إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا..

وجوابي علي سؤالك هو أنك رجل في الخمسين من العمر.. وهذه الفتاة التي تمثل لك كالعادة النقيض لزوجتك في كل ماتشكو منه وتفتقده معها لابد وأن عمرها يدور حول العشرينيات وبالتالي فإنك تكبرها بربع قرن أو أقل قليلا في أغلب الأحوال, والمؤكد هو أن زواجك منها وإن عوضك جزئيا في البداية عما لقيت في حياتك الزوجية من شقاء وعناء.. لن يخلو في الوقت نفسه من مخاطرة جسيمة وقد يهددك بمزيد من الاضطراب والتخبط.. والمشاكل.. في مواجهة زوجتك الحالية وأهلها بل وفي مواجهة أبنائك أيضا الذين بلغوا الحلم الآن علي أقل تقدير.. فضلا عن أن حلم السعادة في الحياة الجديدة ليس مضمونا بالضرورة.. وليس دائما كذلك علي الأغلب.. فهل أنت مستعد لتحمل المزيد من صور الشقاق والنزاع الذي قد يصل الي ساحات المحاكم بينك وبين زوجتك الحالية.. والمزيد من المخاطرات غير المحسوبة في حياتك الخاصة الجديدة. إنني ألتمس لك بعض العذر في تفكيرك في الارتباط بهذه الفتاة بل وفي الحلم بما تشتهيه النفس من السعادة المفقودة معها, ولكن هل يحتمل العمر والصحة المزيد من الصراعات والمواجهات والنزاعات التي ستترتب علي مثل هذه الخطوة المصيرية ؟

بل وهل يحتمل القلب نفسه مثل هذه الخطوة العاطفية الجريئة في سن النضج والاحترام وحسن تقدير المسئوليات الإنسانية والعائلية؟!.. إنني أدع لك التفكير جيدا في هذه التساؤلات قبل الإقدام علي أية خطوة في أي اتجاه.. وأقول لك في النهاية إنه إذا كانت رسالتك هذه قد حملت أية إشارة ضوء بالنسبة لحياتك الزوجية الحالية فهي مرور عامين كاملين علي آخر ملحمة جرت بينكما, مما قد يوحي ببعض الأمل في أن تكون زوجتك قد استفادت هذه المرة وهي الأخيرة أو مابعد الأخيرة كما يقولون من تجاربها السابقة وتعلمت بعض الشيء التحكم في انفعالاتها ومحاولة كبح جماح مزاجها الانفعالي وانفجاراته الطائشة.

إذن أفلا يمكن البناء علي هذه الخطوة الإيجابية, ومحاولة تصفية النفس من مراراتها.. ورأب الصدع أو الشرخ الغائر الذي ترسخ بينكما ؟

إن الشاعر الإنجليزي ت. س. اليوت يؤكد لنا ان الحياة مكونة من سلسلة من العجائب الصغيرة والكبيرة وأنها في تغير مستمر ويقول:

ـ تجول في شوارع كثيرة ثم ارجع إلي البيت وانظر إلي كل شيء وسوف تحس بأنك تراه لأول مرة!

إشارة إلي أنه يمكن بالفعل تجديد الحياة أو محاولة ذلك علي الأقل بدلا من الدوران في حلقتها المفرغة الي ما لا نهاية.. فهل أنت قادر علي المحاولة ؟!

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot