آخر الرسائل

Post Top Ad

Your Ad Spot

الجمعة، 1 أبريل 2022

من بريد الجمعه .. صوت من السماء


أردت أن أكتب لك هذه الرسالة لعلك تجد فيها ما قد يستفيد به بعض الشباب والفتيات خاصة من يشكون منهم قلة الإمكانات وتعنت الأسر في المطالب المادية لإتمام الزواج, فأنا شابة في الثامنة والعشرين من عمري من أسرة طيبة وتخرجت في إحدي كليات القمة, وحين كنت في السنة الأولي من المرحلة الجامعية تقدم لخطبتي أحد الشبان الأثرياء, وكان اليوم الذي سأبدي فيه رأيي بالقبول أو الرفض يوم جمعة فصليت صلاة الاستخارة ودعوت الله سبحانه وتعالي أن يهديني الي الرأي الصواب, وبالصدفة البحتة وعقب انتهائي من الصلاة وقعت عيني علي صفحة بريد الجمعة, وكانت المرة الأولي التي أقرأها فيها, فإذا بي أقرأ رسالة بعنوان: ألوان الورد تحكي عن سعادة شاب وفتاة تزوجا علي أساس من الحب وليس المادة فشعرت بأنها إشارة إلهية لي بالرد المناسب علي الأمر الذي يشغلني فاستخرت الله ورفضت ذلك العريس الذي لم يكن بالنسبة لي سوي شاب في مركز مرموق وميسور الحال, ولم تعترض اسرتي علي قراري, لكنه ومن ذلك اليوم أصبحت حريصة علي قراءة بريد الجمعة وعلي الاحتفاظ بكل ما ينشر فيه من قصص, ومضت سنوات الجامعة وتخرجت في كليتي وعملت وبدأت مرحلة جديدة من حياتي.. وبعد عملي بفترة فوجئت بأحد زملائي في العمل وهو رجل صالح يطلب مني تحديد موعد لأحد أصدقائه لكي يزور أبي في بيته ويطلب يدي منه, واستجبت لطلب الزميل الفاضل وحددت لصديقه الذي لا أعرفه ولم ألتق به من قبل موعدا مع أبي, وكان في أحد أيام الجمعة, وقبل أن يجيء الشاب الي بيتي صليت صلاة الاستخارة مرة أخري وسألت الله سبحانه وتعالي ان يرزقني زوجا صالحا يعفني ويحفظ علي ديني, كما هدانا الي ذلك رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم, وحل الموعد وجاء الشاب واستقبله ابي في الصالون ودعيته بعد فترة لرؤيته لأول مرة, فما أن وقع بصري عليه حتي شعرت براحة قلبية غريبة تجاهه وأحسست أن صوتا من السماء يهمس في أذني بأن هذا الشاب سيكون زوجي الذي أسعد به ومعه ان شاء الله. وانتهت المقابلة وانصرف الشاب شاكرا, وترقبت ان يبلغني ابي وامي بترحيبهما المبدئي به ثم يسألانني عن رأيي فيه, ففوجئت بأسرتي تعلن رفضها القاطع له. وكانت أسبابها لذلك هي أنه لا يملك شقة في المدينة التي نقيم فيها, وليس له سوي شقة في قرية ريفية قريبة من المدينة, كما أن مستواه المادي ليس مرتفعا كمن سبقوه في التقدم لخطبتي فضلا عن أنه ليس خريج كلية جامعية مثلي وإنما خريج أحد المعاهد العليا, وتفكرت طويلا في هذه الأسباب ورأيت انها كلها ليست اسبابا شرعية للرفض بالرغم من احترامي الكامل لوجهة نظر ابي وامي, بل وتقديري ايضا لحرصهما علي سعادتي وطلبهما لي الأفضل, ذلك انني قد وجدتهما لا يناقشان خلقه ودينه ومدي قربه او بعده عن ربه, اخ شخصيته ورجولته مع ان هذه هي العوامل الجوهرية والمطلوبة بشدة لإنجاح الزواج, وليست الإمكانات المادية أو الشقة المناسبة في المدينة فقط, كما انني كنت قد تعلمت من بريدك ان المال وحده لا يجلب السعادة لأحد ان لم تسانده الفضائل الخلقية والقيم الدينية وحسن المعاشرة, فاستجمعت شجاعتي بعد شيء من التردد وأعلنت لأسرتي موافقتي علي هذا الشاب بل وتمسكي به ايضا واستعنت بالله علي محاولة إقناع ابي وامي بهذا الشاب, لكن محاولاتي كلها باءت بالفشل, واعتصمت بالصبر في محاولة تغيير رأيهما, والتزمت معهما أدب الحوار فلم تصدر عني كلمة واحدة تغضبهما.مني والحمد لله, وحين وجدت ان توسلاتي اليهما لم تجد شيئا, مرضت واصابني ما يشبه الذبحة الصدرية, مما دفع احد اقاربي لأن يسألني: لماذا أتمسك بهذا الشاب بالذات وهل هناك علاقة غرامية بيننا تدعوني لهذا الإصرار عليه؟, فأجبته صادقة بأن الله سبحانه وتعالي شاهد علي اني لم اعرفه ولم التق به ولم اره الا يوم جاء الي بيتنا لخطبتي, لكنه القبول الذي لم استشعره تجاه اي انسان آخر سواه, والأمر لله من قبل ومن بعد.

وازاء مرضي واستسلامي للحزن والكآبة لم يملك ابواي سوي الموافقة علي خطبتي لهذا الشاب, وهما غير متحمسين وتمت الخطبة وكان يوما حزينا بالنسبة للأسرة ورأيت الحزن الصامت في عيون كل افرادها ولم اشعر بالفرحة التي ترقبتها, وبدأ خطيبي يزورني في البيت كثيرا فلم تمض فترة طويلة حتي كان قد استطاع ان يثبت للجميع حسن اخلاقه ورجولته, فلم يمانع أبي في عقد القران, وبدأ زوجي في اعداد مسكنه بالقرية, وشيئا فشيئا اصبح هذا الشاب الذي لم يرحب به الجميع في البداية اقرب انسان الي قلوب ابي وامي واخوتي وبدأت انا اغبطه علي حب الجميع له.. وخلال ذلك حاولت مساعدته علي اتمام الزواج فاشتركت في جمعية ادخار. بمعظم مرتبي سرا, وقدمت له مبلغ الجمعية ليستعين به علي امره, ثم بدأت جمعية اخري واشتريت بقيمتها بعض الأشياء اللازمة للجهاز وزعمت لأسرتي انه هو الذي اشتراها بماله لكي اعزز موقفه امامها, واقترب موعد الزفاف ولم يكن زوجي قادرا علي شراء الفستان الأبيض كما كان مطلوبا منه, فاشتريته انا سرا واخبرت اسرتي انه قد اشتراه, وتم الزفاف السعيد وانتقلت مع زوجي الي شقته بالقرية الريفية وبدأتا حياتنا الجديدة بأداء ركعتي شكر لله سبحانه وتعالي الذي جمع بيننا, ومن اللحظة الأولي التي بدأنا فيها حياتنا معا وجدت في زوجي كل ما اتمناه في شريك الحياة من حب وحنان ومراعاة لمشاعري, وشعرت بأنني امرأة وهو الرجل, فلم اقدم علي اي عمل الا باستشارته وقبوله. واستشارني هو في كل شيء, وحرص كل منا علي الا يغضب الآخر منه.

وواجهتنا في البداية صعوبات مادية شديدة فلقد كان زوجي مدينا بديون ثقيلة اقترضها من اصدقائه لإتمام الزواج, وعليه ان يبدأ سدادها علي الفور, فطلبت من زوجي الا يعطيني من مرتبه سوي50 جنيها فقط كل شهر ولسوف أدبر امور معيشتنا كلها بهذا المبلغ الضئيل مع مرتبي الذي لم يكن يزيد وقتها علي مائة جنيه, وفعل زوجي ذلك واشترك ببقية مرتبه في جمعية لسداد الديون, ولم تمنعنا الضائقة المالية من ان نستشعر السعادة والحب في حياتنا.. كما لم تمنعنا كذلك من أن يقدم كل منا للآخر هدية بسيطة في عيد ميلاده او عيد الزواج مصحوبة بأرق الكلمات, ولا من ان نخرج من حين لآخر للنزهة لكي نجدد نشاطنا, وراح زوجي يعمل ساعات طويلة للغاية لكي يسدد ديونه والتزاماته حتي اشفقت عليه من المجهود الزائد الذي يبذله, وفي محاولة التخفيف العبء عنه قدمت له دون ان تعلم اسرتي شبكتي ليبيعها ويسدد ثمنها بعض الديون لأن دور الشبكة قد انتهي في نظري بمجرد ان شاهدها الناس. في حفل الزفاف, وليس من الحب ان اري زوجي وهو يختنق ويكافح كفاحا مريرا لسداد ديونه ولدي ما استطيع مساعدته به ولا اقدمه له طواعية, وانجبت مولودتي الجميلة ولم يعلم احد ابدا من اهلي او من الآخرين اننا في ضائقة مالية شديدة, وبتوفيق من الله استطاع زوجي خلال عامين فقط من الزواج سداد جميع ديونه وتنفسنا الصعداء, وبدأنا نستشعر الراحة في حياتنا وقمنا بشراء بعض الكماليات التي كانت تنقصنا, وحرص زوجي دائما علي أن اصل رحمي وان يصل هو رحمه وحرص علي مجاملة اهلي كما احرص علي مجاملة اهله الذين يحبونني كثيرا, فسبحان من بفضله تتم الصالحات, فلقد هبطت علينا جوائز السماء التي تعد بها في بريدك الصابرين والصامدين لصعاب الحياة, وحصل زوجي علي ترقية في عمله لا يصل اليها احد الا بعد سنين طويلة من العمل وزاد دخله كما زاد مرتبي انا ايضا فتحسن وضعنا المادي كثيرا وتم لنا شراء كل الكماليات التي كنا في حاجة اليها, ونحن الآن نستعد لبناء شقة خاصة بنا في المنزل الذي يملكه والدي في مدينة اسرتي وكل ذلك بفضل الله وفضل اجتهاد زوجي وعمله ليل نهار لإسعادنا وبفضل تعاوننا معا علي طاعة الله, ولم نكن نستطيع التغلب علي كل هذه المشاكل التي واجهتنا بغير الحب الذي هون عليها كل الصعاب, ولقد كتبت رسالتي هذه للفتيات اللاتي يتمسكن بالشقة في المدينة والامكانيات المادية الكبيرة للزوج, وأقول لهن انه اذا كانت اسعار الشقق في المدينة تفوق قدراتنا فلماذا لا نتجه الي الريف او المدن الجديدة خاصة وان المواصلات وخطوط التليفونات قد قصرت المسافات, ولماذا لا نتعاون مع الشباب علي تذليل الصعاب والسعادة لا تتحقق بها وحدها ولا تقتصر علي مساكن الأحياء الراقية.. وإنما تولد في كل مكان يجتمع فيه قلبان علي الحب الصادق والإخلاص والوفاء, والحمد لله الذي هدانا الي ذلك وما كنا لنهتدي اليه لولا ان هدانا الله.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

 

ولكاتبة هذه الرسالة اقول :

نعم يا سيدتي الحمد لله الذي هدانا الي ذلك وما كنا لنهتدي اليه لولا ان هدانا الله, فالحق انه تأسرني دائما صورة الزوجة الشابة المحبة التي تختار شريك حياتها بهدي من تعاليم دينها التي ترجح الأخلاق والدين علي بقية الاعتبارات, فتتحمل مع زوجها بإرادتها واختيارها صعوبات البداية وتستعين بحبها له وحبه لها علي مغالبة الظروف القاسية واحتمالها, حتي إذا اجتازا الصعاب معا وتنسما بعض نسائم الراحة واليسر في حياتهما, سلم كل منهما للآخر بأنه لولا مساندته له وايمانه به حتي في أحلك اللحظات لما نجحت السفينة من التحطم فوق الصخور ولما حققا معا ما حققاه من نجاح.

انها قصة الأمس واليوم والغد, قصة إعلاء العاطفة الصادقة والأخلاق والدين علي ما سواها من الاعتبارات الأخري التي لا تحقق وحدها السعادة وان عظم شأنها والاستعداد للتضحية ببعض متاع الحياة في سبيل انتصار الحب علي الصعاب, والصبر علي الظروف غير المواتية والكفاح المخلص لتغييرها الي الأفضل, فلا عجب ان يكون ما يحققه والتعاون المخلص بين شخصين ارتضيا طريق الكفاح بشرف لتحقيق أهدافهما في الحياة أعلي قيمة وأبلغ اثر في حياتهما من مثيله لدي الغير.

فلقد كان الإمام أبن حزم يقول ان اسرع الأشياء نموا اسرعها فناء, وابطأها حدوثا أبطؤها نفادا, وما دخل عسيرا لم يخرج يسيرا, والحق أن لكل زوجة محبة ابداعها الخاص في حياة زوجها, ولكل زوج عاشق كذلك ابداعه الشخصي في حياة زوجته, غير ان ابداع الزوجة اعمق اثرا علي الحياة المشتركة بينهما لأنها عماد الأسرة, وخازنة بيت مالها وكاتمة أسرارها, والقادرة اذا ارادت علي الصبر علي ما قد يضيق به احيانا صبر زوجها نفسه, كما انها ايضا القادرة علي صنع المعجزات احيانا حين يصح عزمها علي إبقاء السفينة طافية فوق سطح الماء مهما زمجرت حولها الأعاصير.

ولقد بدأ ابداعك الخاص في حياة زوجك بقبولك له استجابة لهمس السماء لك بأنه قد يكون الزوج المنشود الذي يطمئن به جانبك واستشرافا لحسن المآل معه بالرغم من ظروفه غير المواتية, وإشفاق أسرتك عليك من مكابدة شظف العيش معه, ثم تجلي هذا الإبداع في ارتضائك طريق الصبر والكفاح معه والتضحية من اجله بما تملك يداك من اجل انجاح الحياة الزوجية واستمرارها.

فكان عطاؤك له عطاء المحب المؤمن بشخص يضحي من اجله.. ويؤمل منه خير الجزاء.

فصدقت فراستك في حسن اختياره بالرغم من انك لم تريه الا يوم جاء يطلب يدك, واثبتت لك الأيام ان ما صادفه من قبول فوري في نفسك وقلبك كان له ما يدعمه ويرسخه من كرم الأخلاق وحسن الشمائل, فكأنما تذكريننا بما نبهنا اليه الهادي البشير صلوات الله وسلامه عليه من ان الأرواح جنود مجندة ما تآلف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف. وهي الحقيقة النفسية التي أكدها فيما بعد علماء النفس المحدثون, وبالغ في الإيمان بها الفيلسوف الألماني شوبنهاور حتي قال إن وجه المرء أدل علي حقيقته من لسانه, لأن اللسان قد يكذب ويخدع أما الوجه في رأيه فهو مرآة شخصية المرء وأفكاره واتجاهاته, لأن الوجه كما يقول لا يخطيء لكننا نحن الذين قد نخطيء احيانا في قراءته. وهو رأي يحتمل المناقشة لكن بعض مؤيديه يؤمنون بما قاله الكاتب الإنجليزي اللورد تشستوفيلد من انه: اذا اردنا ان نعرف حقيقة الشخص الذي يتحدث الينا فلننظر في وجهه لأنه قد يستطيع السيطرة علي لسانه فلا ينطق بما لا يريد له البوح به, اما الوجه فإنه لا يستطيع غالبا ان يسيطر عليه, وعلي اية حال فإن لكل قاعدة استثناء.. ومن محاسن الصدف ان صدقت معك القاعدة ولم تستخدم استثناءاتها معك. فأكدت المعاشرة صدق الحس التلقائي بالارتياح النفسي لمن اختاره القلب من النظرة الأولي لرفقه الحياة, ومن غرائب النفس البشرية ان الإنسان مهما أوتي من علم أو خبرة بالحياة فإنه لا يستطيع ابدا ان يعرف لماذا استراح لإنسان يراه لأول مرة, أو لماذا لم يشعر بالارتياح لآخر رآه كذلك للمرة الأولي, مما يعيدنا من جديد الي نظرية الأرواح المجندة التي اثبت العلم فيما بعد صحتها وفسرها.

فأما ما توقفت امامه ايضا في رسالتك فهذا هو النوع الإيجابي من العاطفة الغامرة التي تحملينها لزوجك وشريك حياتك, ذلك انه حب بان للرجال وحافظ للحرمات والكرامات, وقد تبدي ذلك في حرصك علي اعانة زوجك علي امره واظهاره في نفس الوقت بالمظهر الذي لا يتعارض مع كرامته كرجل اضطرته قسوة الظروف لقبول مساعدة شريكته سرا له في بعض ضروريات الزواج, كما توقفت ايضا امام اشارتك الواعية الي ان الأسباب التي رفض الأهل من اجلها زوجك حين تقدم لك كانت بالرغم من وجاهتها ومنطقيتها اسبابا غير شرعية, لأنها لا تتعلق بدينه وخلقه, وإنما بظروفه التي قد يشاركه فيها الكثيرون ولم يردها احدهم لنفسه, فإذا كان زوجك قد نجح بسجاياه الأخلاقية ورجولته في اكتساب مودة اهلك بعد الرفض المبدئي له.. فلأن الأهل انما يسعدون بابنتي في النهاية بمن يسعد ابناءهم, حتي ولو كرهوه في البداية او تخوفوا عليهم منه.. والهدف من البداية والنهاية هو سعادة الأبناء, فإذا تحققت علي يدي من استشعروا القلق تجاهه او تشككوا في قدراته في البداية, زالت كل الاعتراضات وسقطت الحواجز وتحول النصر الي قبول, والفتور الي محبة واعتزاز.

وشكرا لك..


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot