آخر الرسائل

Post Top Ad

Your Ad Spot

السبت، 2 أبريل 2022

من بريد الجمعه .. الدائرة المتسعة


 

كنت أتمني أن أكتب إليك هذه الرسالة بعد تحقيق ماأحلم به لنفسي.. لكنه لا بأس بأن أتوقف خلال الطريق بعض الوقت لألتقط أنفاسي وأتزود ببعض الطاقة المعنوية لأواصل الرحلة.

فأنا شاب كان أبي يعمل موظفا صغيرا في إحدي شركات القطاع العام, وكنت الابن الثاني له من خمسة أبناء كما كنت أيضا الوحيد بينهم الذي أصيب بعد ولادته بشهور قليلة بشلل الأطفال, ومازالت الذاكرة تعي حتي الآن بعض ذكريات معاناة السنوات الأولي مع هذا المرض.. وكذلك بعض البقايا من إحساس العجز المؤلم لدي طفل صغير وجد نفسه محروما من حرية الحركة واللعب كما يشاء, مع غيره من الأطفال, كما تعي الذاكرة أيضا بعض الجهد الجهيد الذي بذله أبي وأمي لعلاجي بإمكانياتهما المتواضعة, حتي شفيت ساقي اليسري, وبقيت اليمني علي حالها تذكرني ببصمة المرض القديم.. غير أنني بالرغم من ذلك قد نشأت أنا وأخوتي علي الحب الوارف في ظل أبي وأمي.. وعلي الرضا بكل مايريده لنا الله سبحانه وتعالي.. وعلي معرفة الحلال والحرام..

ومضت الأيام وتقدمت في دراستي مستغنيا عن بعض ألعاب الطفولة التي لا تسمح لي ظروفي الخاصة بممارستها كالجري والحركة السريعة إلخ.. وحفلت طفولتي وصباي بالرغم من ذلك بألوان أخري من اللهو البريء والتسلية والسمر مع الأخوة والأبوين.. والأصدقاء.. وزملاء المدرسة, وواصلت دراستي مستعينا بإرادتي وأملي في التقدم والنجاح فانتقلت من مرحلة إلي مرحلة بتفوق وبلا عثرات.. وحصلت علي الثانوية العامة بمجموع كبير.. وأسعدتني فرحة أبي وأمي وأخوتي بنجاحي وتفوقي أكثر مما سعدت أنا بهما, والتحقت بكلية عملية صعبة.. وتعثرت بعض الشيء في مرحلة الدراسة الجامعية لصعوبتها, لكني تجاوزت عثراتي.. وواصلت الطريق حتي حصلت علي شهادتي.. وعملت بنفس الشركة التي يعمل بها أبي بمقتضي النسبة المخصصة لتعيين المعوقين.. وعجبت لهذا الإعاقة التي حرمتني من بعض مرح الطفولة والصبا, ووفرت لي من جانب آخر فرصة عمل ملائمة بغير عناء البحث الطويل عنها.. واعتزمت أن أعطي عملي كل ماأملك من جهد وطاقة لكيلا أشعر بأني أقل عطاء من زملائي, وساعدتني هذه الرغبة بالفعل علي التفوق في عملي وإحراز التقدم فيه.. وبعد تخرجي في كليتي بخمس سنوات سألت نفسي ماذا يمنعني من أن أستأنف دراستي التي انقطعت عنها بعد التخرج.. وقررت بعد تفكير قصير أن أحقق لنفسي حلم الدراسات العليا والتحقت بالكلية التي تخرجت فيها للحصول علي دبلوم الدراسات العليا من القسم الذي درست به وأقبلت علي الدراسة والعمل بنشاط كبيرين وحصلت علي الدبلوم فراودني الحلم مرة أخري بالحصول علي درجة الماجستير وتقدمت للحصول عليها, وتعرفت خلال هذه الفترة علي فتاة طيبة وجميلة وحلوة الروح.. فتقدمت لخطبتها ورحبت بي.. وأحاطنا الأهل جميعا بحبهم وتشجيعهم فتزوجنا.. وسعدنا بحياتنا وأنجبنا طفلين, وأستأنفت دراستي للماجستير بعد فترة قصيرة من الانشعال بحياتي الجديدة.. إلي أن رضي أستاذي المشرف علي الرسالة عن جهدي فيها وتحدد موعد لمناقشتها.. وتهيأت للحظة السعيدة التي سأقف فيها أمام أساتذتي ألقي عليهم ملخصا وافيا لرسالتي العلمية.. واستمع إلي ملاحظاتهم عليها وأجيب عن أسئلتهم حولها.. ثم تجتمع اللجنة في غرفة مغلقة وأنتظر عودتها من اجتماعها وقلبي يخفق بالرجاء والأمل, في أن يعلن الأستاذ المشرف قرارها بمنحي درجة الماجستير, حتي تنطلق زغاريد الفرح من أمي وشقيقاتي.. وتطفر عينا أبي بالدمع ويغمرني الجميع بقبلاتهم وتهنئتهم لي وأرجع معهم إلي البيت طائرا فوق جناح السعادة.

وقبل موعد المناقشة بشهر شعرت فجأة ببعض التعب في عيني.. وفسرته بإجهاد نظري في القراءة والدراسة والعمل.. فتخففت بعض الشيء من القراءة والإجهاد وترقبت اللحظة الموعودة بشوق كبير.. وجاء موعد مناقشة الرسالة وتحقق كل ماتخيلته عنها في أحلام يقظتي.. وبعدها بدأت الاهتمام بما أجلته إلي مابعد الحصول علي الدرجة.. وهو تعب العينين الذي شعرت به طوال الشهر السابق للمناقشة.. وتوجهت الي طبيب للعيون ففحصني بدقة.. ولم يهتد الي تفسير مقنع لما أشعر به.. ولم يفدني بالتالي علاجه شيئا.. فتوجهت إلي أستاذ للعيون فلم يستطع أيضا تشخيص حالتي ثم تفرغت تماما للتردد علي أطباء العيون الكبار وإجراء الفحوص العديدة.. وتجربة العلاجات المختلفة بلا جدوي.. وبعد زيارة عدد كبير من الأطباء, استقر رأيهم علي أنني أعاني من التهاب شبكي تلوني في العينين وأنه مرض أسبابه ليست معروفة ولا علاج شافيا له حتي الآن, ومن خصائصه, كما صارحني الأطباء, أن يري المريض دائرة صغيرة من مجال في حين تصبح بقية مجال الإبصار معتمة.. ومع تدهور الحالة تنكمش الدائرة المضيئة تدريجيا وتضيق في حين تزحف عليها الدائرة المعتمة من كل الجهات إلي أن تختفي دائرة الرؤية نهائيا ويحل الإعتام التام.. وفي غضون أشهر قليلة!

ياربي.. الإعتام التام! إنه العمي خلال شهور قليلة بالتعبير الصريح ومهما استعار له الأطباء أية مفردات مخففة.. فهل يكون هذا هو المصير؟! ولقد كنت قد أعتقدت أنني قد تجاوزت بسلام مشكلة الإعاقة وسعدت بحياتي.. وماذا جنيت ياربي حتي استحق هذا المصير المظلم بعد كفاح السنين للتغلب علي آثار شلل الأطفال.. وتفوقي في دراستي وزواجي وإنجابي؟

وكيف أحقق حلم الحصول علي الدكتوراة في ذراستي العملية إذا داهمني الظلام المنتظر خلال هذه الشهور القليلة ؟

وشعرت بهم الدنيا كله يجثم فوق صدري.. وفقدت حماسي لمواصلة الدراسات العليا والتقدم في العمل.. وألتزمت بما قرره لي الأطباء من علاج لإبطاء تدهور الحالة وإطالة فترة الرؤية في حياتي بقدر المستطاع.

واستسلمت لليأس والقنوط من كل شيء, وخمدت روحي فما عاد يحركها شيء حتي ضحكات الطفلين البريئة لي التي كانت تبهجني وتنسيني كل شيء آخر.. وكلما ابتسم الطفلان لي وجدتني أفكر في أنها ليست سوي شهور قليلة ثم تغيب عني صورتهما للأبد.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..

ومضت الأيام ثقيلة وبطيئة.. وأنا أختبر كل يوم مساحة الرؤية الباقية لي لأري هل ضاقت أكثر مما كانت عليه.. أم لا.

واشتد بي الضيق والكرب وكرهت نفسي وظروفي, ثم شعرت فجأة وأنا في قمة الاستغراق في هذه المشاعر الكريهة, بأنني قد استسلمت لما قاله لي الأطباء.. لكني لم أسلم حتي الآن بقضاء الله ولم أتقبله.. وأن الاستسلام شيء والتسليم لله الخالق الباقي شيء آخر.. فبدأت أراجع نفسي وموقفي.. وأتساءل: لماذا أفقد الحماس لكل الأشياء لأن الله سبحانه وتعالي قد أراد لي اختبارا جديدا يختبر به قوة تحملي وعمق إيماني! ولماذا أتوقف عن استكمال دراستي للدكتوراة حتي ولو داهمني الظلام خلال استغراقي فيها ؟

وفي هذه اللحظة نفسها جاءتني الإشارة من السماء لكي أنفض عن روحي غبار الضيق والقنوط وأتفتح من جديد للحياة. فلقد اتصل بي أستاذي الذي اشرف علي رسالتي للماجستير بعد ان كانت اتصالي قد انقطع به نهائيا منذ حصلت علي الدرجة, ودعاني لمقابلته في مكتبه بالكلية.. وذهبت إليه فسألني عن أحوالي ولماذا توقفت عن استكمال الدراسة.. فصارحته بكل شيء.. فإذا به يشجعني علي مواصلة الدرس ويشيد بجهدي خلال إعداد رسالة الماجستير ويحثني علي ألا اسمح لهذا الطاريء الجديد علي حياتي بأن يعرقل مسيرتي وشكرته أبلغ الشكر علي اهتمامه بأمري وعلي نصيحته الغالية.. وفكرت فيما قاله لي طويلا واستقر رأيي علي أنه ليس من العدل مع نفسي ولا مع زوجتي ولا مع أبنائي أن استسلم لليأس والقنوط علي هذا النحو, واستخرت الله وقمت بالتسجيل لدرجة الدكتوراة بكليتي.. وأقبلت علي الدرس والبحث من جديد بحماس كبير.. وارتفعت روحي المعنوية كثيرا ولاحظت أنني أبذل في رسالتي للدكتوراة نفس الجهد الذي كنت أبذله تقريبا خلال إعداد الماجستير.. دون أن تؤثر حالة عيني علي ذلك أي أثر واضح وان حالة الإبصار عندي تكاد أن تكون برحمة الله ولطفه بي شبه مستقرة.. حتي ولو كانت دائرة الرؤية لدي تنكمش ببطء شديد لا يكاد يلحظ إلا علي فترات طويلة.

والأهم من كل ذلك أنه قد مضي حتي الآن26 شهرا بالتمام والكمال ومازلت أبصر ماآراه, وأقرأ وأكتب وأدرس, وأعمل بيدي في عملي واستمتع برؤية وجوه طفلي وزوجتي وأمي وأخوتي وكل أحبائي وأصدقائي. أما وجه أبي الطيب فقد غاب عني برحيله عن الحياة قبل فترة برحمه الله وأحسن مثوبته, فسبحان من إذا أراد شيئا قال له كن فيكون, وسبحان من يشمل عباده بلطفه فيكذب أحيانا ظنون الأطباء ليقوي ثقة خلقه في رحمته..

لقد هممت أن أكتب لك عدة مرات وفي كل مرة كنت أؤجل ذلك علي أمل أن يجيء اليوم الموعود الذي أروي فيه قصتي مع الخوف من الظلام.. ثم أقول لك في النهاية أن الله سبحانه وتعالي قد كلل جهدي وصبري وإيماني بحصولي علي درجة الدكتوراة وباكتشاف علاج شاف للمرض الذي يهددني في ابصاري.. أو بثبات مابقي من دائرة الرؤية علي ماهو عليه, لكني تلفت حولي فرأيت زوجة طيبة محبة.. وطفلين جميلين سعيدين وعملا أؤديه بإخلاص, ودراسة أدرسها باستمتاع, وأما عطوفا أتمتع بعطفها وحنانها, وأخوة متراحمين.. أنهل من نبع محبتهم.. فتساءلت وماذا يمنعني من أن أتوقف الآن قليلا لأكتب لك عن كل هذه الأشياء الجميلة في الحياة.. وأقول لك أنني ماض علي الطريق بلا يأس.. وأنه حتي لو جاء المجهول الذي أتوجس منه وأخشاه بعد فترة أرجو أن تكون طويلة.. فلن يجدني إلا راضيا بقضاء الله وقدره.. وشاكرا لربي كل ماأنعم به علي من نعم جليلة أخري.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

إذا ضاقت دائرة الرؤية لدي أصحاب القلوب الحكيمة من أمثالك اتسعت لديهم علي الفور دائرة البصيرة حتي ليرون ببصيرتهم مالم يكونوا يرونه من قبل بالعين المجردة.

فما بالك إذا ثبتت دائرة الرؤية لديك علي ماهي عليه الآن, وليس ذلك علي الله ببعيد, وأضيفت إليك دائرة البصيرة المتسعة التي اكتسبتها خلال معايشتك لهذه التجربة.. وتفاعلك السليم معها ؟ ألا تكون في هذه الحالة قد عوضت ماضاق من دائرة الرؤية بما اتسع لديك من مجال البصيرة والفهم الأعمق للحياة والقدرة الأفضل علي استثمارها والاستمتاع بها ؟

وألا تكون المحنة التي اختبرتك بها الأقدار قد أضافت إليك في هذه الحالة. ولم تنقص منك ؟

إن بعض الناس قد لا يستفيدون بأبصارهم بعض مااستفدته أنت من هذا الفهم الأوسع الذي اكتسبته خلال المحنة للحياة وهذا الإدراك الأعمق لنعم الله الجليلة الأخري التي تحيط بك, ولقد تعمي أبصارهم عن أسباب السعادة التي يتمتعون بها بالفعل ويجأرون بالشكوي من بعض أوجه النقص القليلة في حياتهم, وقد يبددون أعمارهم في إيذاء الغير والإساءة إليهم فيحرمون أنفسهم من العيش في سلام مع النفس والحياة والآخرين.. فهل يمكن الحديث إذن عن دائرة الرؤية لدي أمثال هؤلاء ضاقت أم اتسعت, وعيونهم لا تري رغم اتساع حدقاتها مايرفعون فيه من نعم.. ولا يرضون ولا يقنعون ولا يشكرون السماء ماوهبتهم من هبات عظيمة ؟

وهل يمكن أن نتحدث عن هذه الدائرة لدي من لا يرون في الحياة سوي ساحة للنزال مع الآخرين.. وتوجيه الطعنات الغادرة لهم.. وتدبير المكائد وهتك الحرمات زاعمين لأنفسهم أنهم لن يحققوا أهدافهم في الحياة إلا بدماء الغير ؟ وماذا تفيد أمثال هؤلاء عيونهم.. وبماذا تستفيد الحياة من وجودهم فيها وتمتعهم بكامل أبصارهم ؟

لقد رأيت أنت بدائرة الرؤية التي ضاقت لديك بعض الشيء نتيجة لهذا المرض, شفاك الله وعافاك منه. مالم يروه هم بحدة إبصارهم وسلامته من مثل هذا العارض المرضي, ورأيت كل الأشياء الجميلة في الحياة وعرفت لها قدرها.. وشكرت ربك عليها.. وهم لا يرون كل ماأغدقته عليهم السماء من عطايا.. ويتطلعون الي مافي أيدي غيرهم ولا يرون في الوجود كله سوي أنفسهم وأطماعهم وتطلعاتهم.. فمن المبصر.. ومن المحروم من نعمة البصر إذن ياصديقي ؟

لقد تذكرت وأنا أقرأ رسالتك هذه ماكتبه ذات يوم منذ ثلاثين عاما محام أمريكي ناجح اسمه روبرت أولمان كان يعمل بشركات التأمين وفقد بصره نتيجة لحادث سقوط جسم ثقيل علي رأسه وهو في الرابعة من عمره, فقال عن تجربته أنه لو رجع إليه الإبصار لكان ذلك حدثا رائعا بيد أنه يخيل إليه في كثير من الأحيان أنه لو لم يكن قد فقد بصره لربما كان حبه للحياة أقل منه حين كتب تلك الكلمات, لأن فقده له قد جعله يحسن تقدير قيمة مابقي له من نعم أخري في الحياة!

كما قال أيضا ان أصعب درس تعلمه وأعانه علي الخروج من محنته, هو أن يؤمن بنفسه ويثق بقدرته علي أن يقوم بأشياء نافعة وممتعة بالرغم من فقد البصر, ولولا أنه تعلم ذلك لأمضي عمره كله قعيدا فوق كرسي متحرك أمام باب منزله.. تماما كما رأه الرجل الذي لا يعرفه والذي أسهم بتصرفه معه علي أن يغير الكثير من أفكاره عن نفسه.. فلقد روي أنه كان في مجلسه المعتاد وهو صبي صغير غارقا في أفكاره الحزينة فمر به رجل تحدث إليه للحظات ثم مد إليه يده بكرة صغيرة مما يستخدمه لاعبو البيسبول وطلب منه أن يأخذها هدية منه. فظن الصبي ان الرجل يسخر منه وشعر بالإهانة ورفض هديته قائلا له أنه لن يستطيع استخدامها.. فحثه الرجل علي أن يأخذها بالرغم من ذلك وقال له: دحرجها أمامك!

فثبتت هذه العبارة في رأسه وفكر فيها طويلا وشكر الرجل وبعد أيام دحرج الكرة بالفعل أمام مدخل بيته فعرف من صوتها إلي أين اتجهت واستعادها.. وكرر اللعبة كثيرا واعتادها حتي أصبحت تسليته الدائمة, ونبتت في رأسه فكرة أن يلعب الكرة مع أمثاله وطلب من أبيه أن يدخله مدرسة للمكفوفين ابتكرت طريقة جديدة للعب الكرة للمحرومين من الإبصار, وتخلص الصبي من قنوطه وأحزانه واقتنع بأنه يستطيع أن يفعل الكثير إذا آمن بقدرته علي ذلك وقاده هذا الاعتقاد إلي ممارسة اللعبة لبضع سنوات وإلي التفوق في الدراسة والحصول علي شهادة في القانون والعمل كمحام ناجح.. بل وحقق لنفسه شهرة كبيرة في مجال غريب, هو توقع نتائج مباريات الكرة والتنبوء بها! وكذلك نحن جميعا, إذا حرمتنا الأقدار من بعض القدرات التي يتمتع بها غيرنا وعجزنا عن تسديد الكرة إلي الهدف فإننا نستطيع علي الأقل ان ندحرجها أمامنا, أي أن نعدل أهدافنا وأسلوبنا في الحياة بما يتفق مع ماتبقي لدينا من قدرات ونستمتع بأيامنا ونرضي عما نحققه فيها وماأتيح لنا من أسباب السعادة والهناء فيها.

وهذا هو مافعلته أنت ببصيرتك الصادقة وروحك الطيبة وإيمانك العميق بربك ونفسك ورضاك عما اختبرتك به الأقدار.

فلقد انتشلت نفسك من بئر الكرب والضيق والقنوط والإحباط الي الأفق المتسع المشمس المضيء بالإيمان والرضا.. والشكر للخالق علي نعمه الجليلة العديدة.. والثقة في النفس وفي حقها العادل في الحياة مهما تكن الأحوال.. وحدث هذا التحول الإيجابي لديك حين خرجت من دائرة الاستسلام الساخط القانط لما أصابك إلي دائرة التسليم الراضي بقضاء الله وقدره.. فدحرجت الكرة أمامك بدلا من أن تتجمد في موقعك بدعوي عجزك عن اللعب.

ولو لم تكن قد خرجت من دائرة الاستسلام الي دائرة التسليم والرضا بكل ماتسوقه لك الأقدار قبل أن يتصل بك استاذك الفاضل لما كنت قد استجبت غالبا لنصيحته.. لأنه حتي البذرة الطيبة فأنها قد تموت إذا ألقيت إلي أرض غير مهيأة لها.

ولقد كنت قد حرثت أرضك جيدا بالرضا بأقدارك في الحياة وتقبل كل اختبارات السماء لك بنفس متطلعة دائما إلي رحمة الله, فأثمرت نصيحة أستاذك لك ثمارها الطيبة واستعدت اقبالك علي الحياة والعمل والدرس, وتنبهت كل حواسك لإدراك نعم الله العديدة المحيطة بك من السعادة العائلية إلي نعمة الأبناء الي نعمة الأهل والأخوة والأحباء الي التوفيق في الحياة العملية إلي المواهب العقلية التي تتيح لك التفوق والحصول علي أعلي الدرجات العلمية.. ولئن شكرتم لأزيدنكم صدق الله العظيم

فعسي الله سبحانه وتعالي أن يكذب فيك كل الظنون والهواجس الطبية إن شاء الله.

 

وعسي الله أن يكتب لي أن أقرأ لك ذات يوم ليس ببعيد رسالة أخري تبشرني فيها بحصولك علي الدكتوراة.. وشفائك التام من هذا المرض أو بثبات دائرة الرؤية لديك ـ علي الأقل ـ علي ماهي عليه الآن إلي النهاية, واتساع دائرة البصيرة والفهم الصحيح للحياة أكثر وأكثر بإذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot