آخر الرسائل

Post Top Ad

Your Ad Spot

الخميس، 31 مارس 2022

من بريد الجمعه .. دوائر الدوامة

 



أرجو أن يتسع صدرك لمشكلتي لأني في أشد الحاجة إلي مشورتك, فأنا شاب في الثلاثين من عمري أعمل بالتعليم, ومن أسرة طيبة, ومنذ أربع سنوات أعجبت بفتاة كانت تتلقي مني درسا خاصا وهي في السنة الأولي بكليتها الجامعية ووجدت فيها كل المواصفات التي أتمناها في شريكة حياتي فتحدثت إليها برغبتي في الارتباط بها ووجدتها قد سبقتني إلي الاعجاب بشخصي وتتمني الارتباط بي, غير أنه كانت هناك مشكلة هي أن والدها يرفض أن ترتبط بأحد قبل أن تنهي دراستها وتتخرج مع وعد منه لها بأن يزوجها ممن تختاره لنفسها إذا التزمت بشرطه. وأكدت لها استعدادي لأنتظارها لأربع سنوات حتي تتخرج ويتحقق شرط والدها وتعاهدنا علي ذلك ثم سافرت بعد بضعة شعور للعمل بإحدي الدول العربية وظللت علي عهدي لفتاتي, وترقبت مرور الشهور والسنين لكي أتقدم إليها.. وحين بلغت هي السنة الثالثة الجامعية فاتحت والدها برغبتي فرحب بي أشد الترحيب وطلب مني الانتظار للعام المقبل حتي تتخرج ووعدني أن تكون أبنته لي وليس لأحد غيري, وأطمأننت إلي وعده وسافرت إلي عملي وتواصلت الرسائل بيني وبينها, ورجعت في أجازة العام التالي.. وتحدثت إلي عم فتاتي برغبتي في تحديد موعد مع شقيقه لأتقدم إليه مع أسرتي طالبا يد ابنته, ووعدني العم خيرا.. وبعد ساعات رجع إلي بالرد فإذا به الرفض القاطع الباتر بلا أسباب ولا مبررات, وأصابني الذهول ودهش معي أهلي الذين كانوا قد عرفوا فتاتي خلال السنين الماضية وأحبوها وتعلقوا بها وكانت تقوم بزيارتهم خلال سفري, وحرت فيما أفعل إزاء هذه المفاجأة غير السارة, وحاولت ان أعرف سبب الرفض فعرفت أن والد الفتاة قد اتفق مع أحد أقاربه علي تزويجها له وأنها في حالة نفسية سيئة لكنها لا تستطيع إقناع أبيها بالوفاء بوعده أياها ألا ترتبط إلا بمن تختاره, ولم أستسلم لليأس من تغيير موقفه ووسطت لديه كل من آنست منه استعدادا للتدخل في الموضوع فأصر علي رأيه إصرارا غريبا, وحاولت الفتاة معه بكل ماأوتيت من جهد فكان رده علي كل محاولة من جانبها لإقناعه بقبولي هو الضرب المبرح واشتد ضيقي وكربي إلي أن جاء يوم وقالت لي فتاتي أنه يريد علي حد تعبيرها أن يبيعها لمن يستطيع أن يدفع أكثر لا فائدة من المحاولة مع أبيها لأنه عنيف للغاية وعنيد ونصحتني النصيحة اليائسة بألا أضيع مابقي من أجازتي في محاولة نطح الصخر الذي لا يلين, وأن أرتبط بفتاة غيرها. وفي فترة ضيق بكل شيء سلمت باليأس من فتاتي, وحاولت شغل فكري عنها بالارتباط بغيرها.. وبالفعل تقدمت إلي صديقة لها لا تعرف عن قصتنا شيئا سوي أنني تقدمت لطلب يدها ورفض والدها طلبي. ورحب بي والد الصديقة لكنه أصر علي ألا تكون هناك فترة خطبة وأن أعقد القران علي الفور ولم أجد مانعا من تلبية رغبته فتمت الخطبة وعقد القران خلال اسبوع واحد, وانتظرت أن تشغلني هذه الخطوة عن فتاتي السابقة واستريح من التفكير فيها فلم يتحقق ذلك وظللت مشغول الفكر بها بالرغم من عقد قراني علي خطيبتي وخطبة فتاتي إلي قريبها وازدادت فترات صمتي وانشغال فكري وأنا مع خطيبتي فلم أجد مفرا من مصارحتها بما أعانيه ووجدت لديها صدرا رحبا لهمومي وحاولت التخفيف عني بقدر الإمكان, بل وحاولت أيضا أن تكون واقعية وأن تساعدني علي تقبل الحقائق فأبلغتني بأن فتاتي السابقة مريضة وأنها لن تغضب إذا اتصلت بها للاطمئنان عليها وتوديعها قبل سفري إلي عملي, واتصلت بفتاتي السابقة بالفعل ووجدتها في حالة سيئة فضعفت إرادتي واعترفت لها أنني مازلت أحبها ولا أستطيع نسيانها والبعد عنها.. فقالت لي بصوت حزين أنه قد فات أوان هذا الحديث وأنه علي كل منا أن يتقبل أقداره ويكفيها أنها لم ترفضني بإرادتها ولم تقبل خطيبها الذي لم تشعر معه بالانسجام حتي الآن برغبتها. وسافرت مضطربا ومهموما.. وبعد سفري بفترة قصيرة رحل والد فتاتي الأولي عن الحياة, وطلبت مني خطيبتي في اتصال تليفوني بيننا أن أواسيها في فقده فتعجبت لتصاريف القدر.. وازداد شعوري بالندم علي تسرعي في عقد قراني علي فتاة أخري سواها.. وأصبح شاغلي الأكبر منذ ذلك الحين هو كيف استطيع حل مشكلتي بغير أن أظلم خطيبتي التي احتوت انشغال فكري بغيرها.. ولا ترفض أن تكون زوجة ثانية إذا كان ذلك سوف يسعدني ويحقق راحتي فماذا أفعل ياسيدي وكيف أخرج من دوائر هذه الدوامة التي تدور بي بعنف منذ علمت بوفاة والد فتاتي الأولي ؟

 

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

إذا كنت في ردي علي رسالة الأسبوع الماضي قد أدنت الاختيار العاطفي لزوج عاشر زوجته21 عاما فلم ينكر عليها شيئا وزوجة عاشرت زوجها ربع قرن من الزمان بلا مشاكل جدية, فما إن التقي كل منهما بالآخر بعد غيبة السنين حتي تجدد الحب القديم الذي سبق زواج كل منهما.. وهجر الرجل زوجته وأبناءه الشباب الذين يرون فيه مثلهم الأعلي وهجرت المرأة زوجها وأبناءها الثلاثة الذين يرون فيها رمز الأم والعطاء وارتبط كل منهما بالآخر بالزواج وراحا ينهلان من نبع السعادة الأنانية علي حساب عدد كبير من الضحايا, إذا كنت قد أدنت هذا الاختيار لكثرة من تساقطوا علي جانبي الطريق إليه من الضحايا الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا جريرة في أن الحياة كانت قبل ربع قرن من الزمان قد حالت بين طرفي القصة وبين اجتماع شملهما قبل زواج كل منهما من آخر وإنجابه, فإني لا أستطيع أن أدين اختيارك العاطفي هذه المرة إذا اخترت تصحيح خطأ مازال في الإمكان تصحيحه بغير أن يدفع ثمن تداركه ضحايا كثيرون من الأبناء وشركاء الحياة. فأنت ياصديقي لم تبن بعد بخطيبتك الحالية حتي ولو كنت قد عقدت قرانك عليها.., وفتاتك كذلك لم تتزوج ممن أرغمها والدها علي الارتباط به ولم تتأبد روابطها معه بالإنجاب حتي الآن ومن صالح كل الأطراف في هذه القصة أن يتم التصحيح الآن وقبل أن تتفاقم الأخطاء ويصبح لها ضحايا حائرون في المدي القريب كما أنه ليس من الحكمة تعذيب النفس والغير بأن يرتبط بمن ينشغل عنها فكرك وقلبك بغيرها ولا هو من صالح خطيب فتاتك الأولي أن تواصل طريق الارتباط به وقلبها يهفو إلي غيره ويرجوه فكل بناء يقام علي غير أساس متين يتعرض للانهيار عند أول عاصفة, ولا داعي لتكرار الأخطاء البشرية.. وامتحان النفس والغير بمحنة معايشة الإنسان لمن لا يحبه, فإذا التقي ذات يوم بعيد أو قريب بمن حالت بينه وبينه الحياة تجدد الشوق القديم واضطربت الحياة العائلية.. وصدق عليه قول الشاعر

ذو الشوق القديم وان تسلي.. مشوق حين يلقي العاشقينا

واذا كان في مقدور المرء أن يحيا الحياة الطبيعية مع من يحب ويقصر عليه طرفه وحبه وفكره ويفرغ قلبه ممن عداه فما معني ان يعذب المرء النفس والغير بالارتباط بهم ومكابدة العيش معهم علي غير رغبة حقيقية منه.. وفي ذلك مافيه من الظلم لهؤلاء الغير قبل أن يكون للنفس ذاتها ؟

أنني لا أنصحك أبدا بقبول تضحية خطيبتك لك بالاستمرار في حياتك مع أرتباطك بفتاتك الأولي إذا كانت في ذلك سعادتك.. فالحق أنني لم أفهم هذه الواقعية التي تتحدث عنها حين تروي عن خطيبتك أنها تحثك علي الاتصال بفتاتك وتقبل بأن تكون زوجة ثانية لك معها, ولا أري فيها أية واقعية حقيقية, وإنما أري فيها انكسارا انسانيا لا يليق بك ان ترضاه ها وعجزا من جانبها عن تغيير ماتكرهه لنفسها كأية فتاة أخري, ومخالفة لطبائع النفس البشرية لن تصمد طويلا للتظاهر بالقبول بها راغمة طلبا لإتمام الزواج منك, ولن يمضي وقت طويل إلا وتتفجر المشاكل ويزداد الموقف تعقيدا, خاصة وان فتاتك الأولي لن تقبل ومهما كان حبها لك حقيقيا وصادقا أن تتزوج بك وأنت زوج لأخري لم تبن بها بعد ولم تنجب منها وليس هناك مايعوقك عن الاعتذار لها عن فصم الرابطة التي تجمعك بها والتفرغ بكليتك لمن يرغبها قلبك وينشغل بها فكرك.

إن الإنسان حين تشتد رغبته في الأشياء قد تضعف حيلته أمامها وقد يبدي من المرونة والاستعداد للتضحية المهينة لنيلها مالم يتوقعه هو من نفسه.. لكن النفس سرعان ماتتمرد علي ضعفها السابق إذا تعلق الأمر بالعواطف ويندم علي سابق قبوله لما لم يكن يرضاه لنفسه لولا أن كان في الموقف الأضعف ويطلب بشدة مايريده لنفسه.. فتبدأ الصراعات وتتصاعد المشاكل.. فما حاجتك أنت وحاجة خطيبتك الحالية الي كل هذا العناء, ولماذا تقفز أنت بإرادتك هذه المرة إلي بؤرة دوامة جديدة قد تدور بك سنوات ثمينة من العمر ويكون لها ضحايا آخرون من الأبناء الحائرين في المستقبل

ان في مقدورك الآن أن تتعلق بطوق نجاة يخرج بك وبخطيبتك من دوائر الدوامة إلي شاطيء الأمان.. وذلك بأن ترفض شاكرا تضحيتها الممرورة هذه لك وتعتذر لها عن عدم الاستمرار في الارتباط بها وقلبك يهفو إلي غيرها لأن في ذلك ظلما بينا لها وتعوضها بكرم وسخاء عن بعض الأضرار المعنوية والنفسية التي ستتكبدها بانفصالك عنها, ثم تستكشف استعداد فتاتك الأولي للارتباط بك بعد الاعتذار لخطيبها.. وتستكملان القصة الناقصة بأقل الخسائر الإنسانية الممكنة.. فإذا كان في هذا الحل بعض الأجحاف بخطيبتك الحالية وبخطيب فتاتك الأولي وكل منهما لا ذنب له بالفعل في انشغال فكر شريكه بغيره فان عزاءهما عما يتعرضان له من إجحاف بهما هو أن الحل المؤلم الآن سوف يجنب كلا منهما في المستقبل القريب التعاسة الحقيقية وتجرع كأس العيش مع شريك لم يكن يتمناه لنفسه ومضي في الارتباط به وكأنه ينفذ حكما قدريا عليه لا يملك له دفعا ولاشك أن كلا منهما يستحق من الحياة ماهو أفضل كثيرا ويستحق أن يرتبط بمن يزهو به.. ويراه أمله الكبير في الحياة ولسوف تعوضه الأقدار عما يخسره الآن نفسيا ومعنويا خيرا عميما في المدي القريب بإذن الله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot